الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عبــد الــوهــاب الهــانـــي (حزب المجد): الدستور الجديد أقرب إلى كتاب «أمّك صنّافة»

نشر في  22 جانفي 2014  (10:56)

 يعتبر الأستاذ عبد الوهاب الهاني أحد المناضلين السياسيين البارزين ممّن اضطهدهم النظام السّابق، فاضطرّ للخروج من تونس والاستقرار بأوروبا حيث كان له دور فعّال في كشف ممارسات النظام السّابق وفضحها عبر  مقالات كان ينشرها على الانترنات، عاد الهاني بعد هروب بن علي مباشرة وقام صحبة مجموعة من المناضلين بتأسيس حزب المجد. التقيناه في حوار شامل تحدّث فيه عن الدستور الجديد وعن تقييمه لسنتين من حكم الترويكا ومواضيع أخرى تقرؤونها في الحوار التالي... كيف تقرأ المشهد السياسي الحالي وهل سيتمّ الإعلان عن تشكيل الحكومة قريبا؟ ـ يشهد المشهد خلط أوراق عبر تقارب غير مسبوق بين حزبي النهضة والنداء، بعد اشهر من الشيطنة والتخوين المتبادل وقد يؤدي ذلك الى بناء قطب يميني يجمع اليمين التجمّعي السابق مع اليمين الدّيني، وهو ما قد يساهم في إعادة هيكلة السّاحة السياسيّة من جديد، وخلط أوراقها كما انّ التوافق على حكومة كفاءات وطنية مستقلة ومحايدة انتخابيا سيساهم في إعادة هيكلة المشهد السياسي على اعتبار انّ الائتلاف الحاكم السابق «الترويكا» سيغادر الحكومة باعتبار انّ المعارضة الحالية ملتزمة في أغلب مكوّناتها في مساندة حكومة مهدي جمعة، فبالتالي ستخرج من مرحلة أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة الى مرحلة جديدة يكون فيها الجميع اما داعمون للحكومة المحايدة أو ناقدون لها، كما انّ اشهر الأزمة السياسية الطويلة التي تميزت بها 2013 أفرزت صعود أحزاب الوسط كرقم فاعل وكمعدّل رئيسي للصّراعات السياسية حيث لعب الوسط دورا كبيرا في التوصّل الى التوافقات في المسارين الحكومي والتأسيسي سواء من داخل المجلس الوطني التأسيسي أو من خارجه كحزب «الخيار الثالث» وحزب المجد وغيرها التي فرضت على الجميع الالتقاء في مساحة الوسط وتميّزت بقدرتها على المبادرة وتقديم الحلول التوافقيّة التي اقتنع بها الجميع. ما هو المطلوب في رأيك من أحزاب الوسط بعدما اكتشف الرأي العام  دورها في انقاذ الأوضاع؟ ـ المطلوب منها ان تتكتّّل مع الأحزاب الوسطية في جبهة سياسية واحدة لإقناع الشعب ببرنامج سياسي وسطي بديل للأقطاب القائمة الأخرى اليمينية واليسارية. هل يؤدي سحب الثقة من الحكومة إلى تعطيل الإعلان في تشكيلة الحكومة الجديدة؟ ـ نحن أمام التزام قانوني وأخلاقي يقضي بضرورة تقديم رئيس الحكومة لحكومته في أجل أقصاه 24 جانفي والاّ فانّ كلّ العمليات التوافقية الأخيرة ستسقط في الماء ولا أعتقد أنّ المجلس التأسيسي سيغامر بهذا الاتجاه الكارثي خاصّة انّنا امام حكومة مستقيلة ملتزمة بتصريف الأعمال وأي اطالة لهذه المرحلة ستكون لها نتائج كارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعيّة للبلاد، البعض لم يفهم انّ التوافقات الأخيرة تقضي مراجعة العلاقة بين المجلس والحكومة باتجاه مزيد من التوازن والتعاون فنحن امام حكومة مستقلة ومحايدة انتخابيا وفي حاجة الى ان يساندها الجميع فالمطلوب ألاّ يعمل المجلس الوطني التأسيسي بعقليّة الانقسام بين كتل الأغلبية التي تدعم حكومتها وبين كتل الأقلية التي تعارضه، بل المطلوب ان يراجع المجلس الوطني التأسيسي طريقة عمله باتجاه مزايدات من التوافق. يرى البعض أنّ تعطيل المسار الحكومي الغاية منه إمضاء رئيس الحكومة المستقيل على الدستور، ما تعليقك؟ ـ هناك نيّة لدى البعض لارتهان المسارين التأسيسي والحكومي وهو خطأ فادح ارتكبته خارطة الطريق منذ البداية عندما أصرّت على تلازم المسارات دون توضيح منهجيّة هذا التلازم ففهمها البعض انّ هذا الأخير يعني التتابع اي ارتهان المسارات وكان المطلوب فكّ الارتباط بين المسارات ولإرضاء نرجسيّة الجميع اقترحنا في حزب المجد ان يتمّ امضاء الدستور من قبل كل الشخصيات الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومة طيلة انتصاب المجلس الوطني التأسيسي وبذلك نكون قد احترمنا بنود القانون المنظم للسّلط ونكون يسّرنا تعيين الحكومة الجديدة. برأيك ألا يمكن أن تؤثّر التعيينات الوزاريّة الجديدة على المسار السياسي وخاصّة الانتخابي؟ ـ هذه التعيينات ستزيد من تشعّب الوضعية وهي غير مقبولة لا أخلاقيّا ولا قانونيا فالحكومة المستقيلة عليها واجب تصريف الأعمال فقط دون التأثير على عمل الحكومة المقبلة سواء بالاجراءات الغير مدروسة كقانون المالية الكارثي او عبر التعيينات العشوائية خاصّة انّ مسألة التعيينات مثلت عنصرا رئيسيا في تفجير أزمة الثقة بين الترويكا والمعارضة، حيث قام الثلاثي الحاكم بعديد التعيينات الحزبية الخاضعة لمبدأ الولاء الحزبي الأعمى علىحساب  النجاعة والولاء للوطن علما انّ مهدي جمعة اكّد لي شخصيا أنّه سيراجع التعيينات التي يمكن ان تؤثر على الانتخابات القادمة وخاصة في سلك الولاة وذلك لضمان الحياد التام  ودرء الشبهات على أجهزة الدولة المعنية من قريب أو من بعيد كما ستتمّ مراجعة رئاسة النيابات الخصوصيّة التي آلت كلّها الى حزب واحد، وكذلك مراجعة التعيينات الحزبية والمحاباة الشخصية في السلك الديبلوماسي من قناصل وسفراء وكل الوظائف التي لها تماس مع العملية الانتخابية خاصّة على أساس مبدأ الكفاءة والنزاهة والوفاء للوطن. سنتان من حكم الترويكا كيف تقيّمهما؟ ـ هو فشل ذريع في اعلاء مبدأ الكفاءة، وفشل ايضا في ادارة الشأن العام وفشل ذريع في  التأقلم مع ثقافة الدولة حيث بقي أغلب أعيان الترويكا بعقلية التنظيم السرّي وبالولاء للجماعة دون اي اعتبار للدولة وفشل ايضا في اداراة الصّراعات والأزمات السياسية وفشل ذريع في احداث القطيعة السياسية مع ثقافة نظام الاستبداد حيث اعتمدت الترويكا نفس خطاب المخلوع في شيطنة وتجريم وتخوين الخصوم. وايضا فشل في ادارة الانتظارات الاجتماعية وفشل كبير في ادارة العلاقات الخارجية للدولة حيث طغى الطابع النرجسي لدى البعض والطابع الحزبي لدى البعض الآخر على حساب المصالح العليا لتونس. المرزوقي رئيس شرفي لحزب مع حكومة مستقلة برأيك كيف  نخرج من هذا المأزق؟ ـ حكومة مهدي جمعة تعني نهاية حكم الترويكا.. فلا يعقل ان تكون الحكومة مستقلة ومحايدة انتخابيا من جهة ورئاسة الجمهورية غير مستقلة ومهووسة بالانتخابات، فالسلطة التنفيذية سلطة واحدة برأسين متناغمين في الأصل فلا يمكن ان يكون الرأس الأول في القصبة والرأس الثاني في قرطاج لا يفكّر الاّ في الانتخابات فالمطلوب من المرزوقي الالتزام بخيارين لا ثالث لهما لضمان حسن سير ما تبقّى من المرحلة الانتقالية الخيار الأول الاستقالة حالا بعد تشكيل الحكومة المقبلة والخيار الثاني الالتزام بعدم الترشّح للانتخابات العامّة المقبلة التشريعيّة والرئاسيّة وما ينطبق على الرئيس المؤقت ينطبق  ايضا على كامل ديوانه الرئاسي لان المطلوب حياد مؤسسة الرئاسة لا فقط شخص الرئيس ونفس الأمر يطرح ايضا بالنسبة لمصطفى بن جعفر الذي جاء الى هذا المنتخب بحكم تقاسم السلطة بين الرئاسات الثلاث، كما ان المجلس الوطني التأسيسي مطالب بالصمت الانتخابي لمدة شهرين قبل الانتخابات حتى لا يستغلّ اعضاؤه قبة المجلس في حملاتهم الانتخابيّة المقنعة. أثار الفصل السادس من الدستور جدلا كبيرا، برأيك هل يستحقّ كل هذا الجدل؟ ـ صياغة الفصل السادس المخصص لحرية المعتقد والضّمير غير موفقة فالحدّ  المشروع من حرية التعبير مكانه الفصل المتعلق بحرية التعبير وليس بحرية الضمير حيث سمح القانون الدولي لحقوق الانسان بالحدّ من حرية التعبير في حالة التحريض على الكراهية والبغضاء والاقتتال أدى الى كل هذا السّجال وللأسف قد تحول الدستور الى ترضيات وبيع وشراء وأصبح نصّا بدون روح وهو ما يجعل امكانية ديمومته ضعيفة جدا. كحقوقي كيف تعلق على الفصول الخاصّة بالحقوق والحرّيات؟ ـ أفضل تعليق هو انّ المخصص للحقوق والحريات ضمن الدستورالباب فيه سبق في التنصيص على بعض الحقوق التي لم تكن موجودة اصلا في القانون الدولي عند اعلان دستور غرّة جوان 1959، ولكن هذا الباب رغم  ايجابياته يبقى دون المأمول لأنّه يوضّح بجلاء لا لبس فيه الأركان التي يقوم عليها الدستور الجديد وعلى سبيل الذكر فقط قام دستور 59 على 4 هي  الاستقلال الوطني والسيادة الشعبية والبناء الديمقراطي والنظام الجمهوري في حين حرص محمد باشا باي عند اعلانه لعهد الأمان سنة 1857 الذي يقوم مقام ميثاق الحقوق والحريات Chartre des droits على شرح هذا العهد الذي يقوم على 4 أركان هي أمانة النفس وأمانة الدين وأمانة العرض وامانة المال وهي المبادئ الأربع التي تلخّص كامل مجالات الحقوق الاساسية، في حين انّ الدستور المنتظر يتميّز بضبابيّة كبيرة في المرجعية وهو نوع من طبخه دون طعم ولا رائحة. وهو أقرب الى كتاب «أمّك صنافة» دون اي خيط ناظم رابط ودون روح يقوم عليها النص فالدستور هو روح ثم نص ثم ممارسة.

حاوره: عبد اللطيف العبيدي